Arabs Without God: Chapter 3

الفصل السادس: امتيازات الدِّين
الفصل السابع: مسلمٌ للمرة الأولى مسلمٌ دائماً
الفصل الثامن: الحقّ في الإساءة
الفصل التاسع: طعمُ الحريّة؟
الفصل العاشر: سياسات الإلحاد
المصادر والملاحظات
مقدمة
الفصل الأول: إنكار الله وهدمُ المجتمع
الفصل الثاني: الإلحاد في التاريخ العربي
الفصل الثالث: كتابُ الله
الفصل الرابع: خسارتهم لِدينهم
الفصل الخامس: الإلحاد والجنس

الفصل الثالث: كتابُ الله

تحتاج الأديان إلى إبراز مؤهلاتها السماوية (أو الإلهية) وذلك لاجتذاب أتباعٍ لها؛ فالمسيحيةُ اعتمدتِ على قصصٍ تسردُ معجزات السّيد المسيح، كتحويل الماء إلى خمرٍ، وطرد الجنِّ، ومداواة المرضى بالمسح عليهم ... الخ، وبلغت هذه القصص ذروتها في قصة بعْثِ المسيحِ بعد الموت من جديد. يصعبُ تصديقُ مثلِ هذه القصص بطبيعة الحال؛ ما حدا بالعديد من الناس للقولِ بأنها لم تحدث أصلاً، أو القولِ بعدم أخذها بحرفيتها. أمّا بالنسبة لأولئك الذين يمكن إقناعهم بمثل هذه القصص، فنقطة قوتهم هي في هذه اللامعقوليةِ، وهي حقيقةُ أنَّ البشر العاديين لا يستطيعون الإتيان بالمعجزات ممّا أدَّى إلى استنتاج مفاده أنها لا بد أن تكون من تدبير الله.

يعتمد الإسلام أيضاً على المعجزات، ولكن ليس بالدرجة نفسها. وخلافاً للمسيح الذي زُعم أنّه ابن الله فالنبيّ محمدٌ إنسانٌ عادي، رغم أنه "المختار" من قبل الله، فقد تُوُفِّيَ وفاةً طبيعيةً ولم يبُعث إلى الحياة بعد ثلاثة أيام؛ أمّا المعجزات التي ارتبطت بالنبي محمد فهي قليلةٌ، وليست أساسَ الدّين الإسلامي. مِنْ هذه المعجزات الإسراءُ بالنبيِّ محمدٍ من مكة إلى القدس وعودته - ذهاباً وإياباً قاطعاً أكثر من 1500 ميلاً - وأنه عُرِجَ به من القدس إلى السماء في الليلة ذاتها 1، ومنها ما وردَ فيمن طلب من النبيّ آيةً على صدقه، فما كان منه إلّا أنْ أشار إلى القمر فانْشقَّ القمر، وقد دأبتِ التقاليدُ الإسلامية على الاحتفاء بذكرى هاتين المعجزتين، رغم أنّ القرآن لم يشر إليهما إلا بآيات قليلة، ودون ذكر التفاصيل في الآيتين التاليتين: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير" (سورة الإسراء: الآية 1) و "اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ" (سورة القمر: الآية 1)

غير أن المسلمين يعتبرون القرآن نفسه أهمَّ معجزةٍ في الإسلام، ويختلف الإسلام في هذا الصدد اختلافاً كبيراً عن المسيحيّة، فالمسيحيّون غالباً ما يصفون الانجيل بأنه "كلام الله" ووحي إلهي، ولا يزعمون أنّه من تأليف الله، إنّما مجموعة نصوصٍ من مصادرَ بشرية، أمّا القرآن فيقال أنَّه كلام الله مباشرةً، أنزله على النبي محمد عن طريق جبريل، ويُشَكِّلُ هذا الزعم جوهر الإسلام، فلا إيمانَ بدونه، وبالتالي هو الادِّعاءُ الذي يتفانى المسلمون في إثبات صحته، والمشككون في دحضه.

استخدم المسلمون بعض الحجج في إطار جهودهمُ الراميةِ إلى إثبات الأصل الإلهي للقرآن، وتركّز هذه الحجج على أن النبي محمد أهلٌ للثقة، وعلى تميُّزِ القرآن وتفرده في اللغة والأسلوب الأدبيّ، والحفاظ الدقيق على النص على مدى قرون، إضافةً إلى الأدلّة بين دُفَّتيه، كالتَّنبُّؤِ بالأحداث والكشوفِ العلمية.

تسعى الحُجّة الأولى لإثبات أنَّ محمداً كان شخصاً نزيهاً وصادقاً في إيمانه وأنَّ القرآن رسالةٌ من الله. يقول الشيخ محمد صالح المنجد، وهو رجل موظف لدى حكومة المملكة العربية السعودية:

"اصطفى الله محمداً رغم أنَّه عاش يتيماً وكان أميّاً، لا يعرف القراءة أو الكتابة؛ وقد اجتمعت فيه كل الصفات والفضائل الحميدة إلى درجة الكمال، الأمرُ الذي لا يمكن لأحد آخر أن يمتلكه باستثناء الأنبياء الذين حفظهمُ الله وهداهم. هذا المزيج من الصّفات المثالية هي واحدة من أعظم البراهين على صدق نبوته، عليه الصلاة والسلام." 2

كما ويستشهد معهد التربية والمعلومات الإسلامية في الولايات المتحدة بأميَّة النبي محمدٍ كدليلٍ على أنَّه لا يمكن أن يكون قد كتب القرآن بنفسه:

"من المعروف جيداً أن محمداً كان أميّاً، وحتى من عاصره من غير المسلمين ومن المؤرخين في يومنا هذا يقرّون بذلك، ولم يكن لديه معلّم ولم يدرُس في مدرسة، ولم يسبق له أنْ قال الشعر أو النثر.

إنَّ القرآن، بأحكامهِ الشاملة وخُلُوُّه من التناقضات، فيه من العظَمة ما اعترف بها حتى العلماء من غير المسلمين، فهو يعالج التشريعاتِ الاجتماعيةَ والاقتصاديةَ والسياسيةَ والدينيةَ والتاريخَ، ونظريات في الكون، والكائنات الحيّة، والفكر والمعاملات الإنسانية والحرب والسلام والزواج والعبادة والأعمال التجارية، وكل ما يتعلق بالحياة، مع عدم وجود تناقضات في مبادئه." 3

وبعد أنِ استبعد المعهد بأن يكون النبي محمد هو من كتب القرآن، ذهب إلى افتراضات أنّ مؤلفين آخرين قد كتبوه، من العرب أو من غيرهم، أو حتى الشيطان، وباستبعاد هؤلاء استنتج المعهد أن المؤلف الحقيقي لا بد أن يكون الله.

لكنَّ الادِّعاء بأنَّ القرآن تنزيل إلهي شيءٌ لا يخلو من المجازفة، فالعمل الأدبي المنسوب إلى الله لا بد أن يتصف بالكمال، يقول الشيخ المنجد واصفاً القرآن بأنه "أعظَمُ آيةٍ" من آيات الله، اجتمعَتْ فيه المعجزاتُ في كلٍّ من الأسلوب والمحتوى، فلا يمكن للبشرية جمعاء تقليدها. يقع أسلوبُ القرآن الأدبيُّ الذي أُنزل باللهجة المحلية القُرشية من اللغة العربية في منزلةٍ ما بين الشعر والنثر، وصِيْغَ بطريقة تجعل حفظه سهلاً، والتشكيكَ في فصاحته غايةً لا تُدرك. أمّا "محمد مرمدوك بيكثول"Muhammad Marmaduke Pickthall البريطاني الذي اعتنق الإسلام سنة 1930 فقد نشرَ واحدة من أكثر ترجمات للقرآن شهرةً، واصفاً لغةَ القرآنِ بأنها "سيمفونية لا تُضاهى، أصواتها تسبب الدموع والنشوة." 4

إنَّ القرآن نفسُه لا يزعم أنّه يستحيل الإتيان بمثله فحسب، بل يتوعد من يحاول ذلك بالعذاب في نار جهنم:

"وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ...فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ. (سورة البقرة: 23-24)

رغم التهديد بالعقاب الأبدي، كانت هناك الكثير من المحاولات لتقليد القرآن. فقد أنتج أبو العلاء المعري، الفيلسوف والشاعر السوري المتوفى سنة 1057 م، محاكاة ساخرة للقرآن، وبعد أنْ علم أنَّ عمله لم يكنْ له وقْع القرآن، قيل إنه أجاب: "عندما تقرأ القرآن لأيام وسنين طوال فسوف يكون له نفس الوقع في النفس." ما يوحي بأنَّهُ كان يقصد أنَّ أُلْفَةَ القُرَّاءِ مع القرآن وكثرة قراءتهم له هي ما أكسبتِ القرآن هذا الوقْعَ والتأثير. 5

أمّا المحاكاة السّاخرة الأحدث للقرآن فكانت "الفرقانُ الحقُّ" وهو كتابٌ نشر في الولايات المتحدة سنة 1999، وكُتب بأسلوب القرآن ولكن يحتوي رسالة مسيحيّة 6، ويبدو أنَّه قد صُمِّمَ بطريقةٍ تجعل الناس تقتنيه خطأً على أنّه القرآن الكريم.

في نفس الوقت تقريباً، كان هناك حملة ضد موقع "SuraLikeIt" الإلكتروني الذي نشرَ أربعَ آياتٍ مكتوبةٍ بأسلوبِ القرآن مترجمةٍ إلى اللغة الإنجليزية، مطلِعُ إحداها:

(1) ألف لام صاد ميم

(2) قل يا أيّها المسلمون أنتم في ضلال كبير.

(3) إنَّ للذين كفروا بالله والمسيحِ في الآخرة نارَ جهنّم ولهم عذابٌ أليم.

(4) وجوهٌ يومَئذٍ كالحةٌ مسودةٌ، يسألون اللهَ العفوَ، والله يفعل ما يشاء ...

وزدْ على ذلك أنَّ هذه الآياتِ المزعومةَ توحي بأنَّ النبيَّ محمداً كان يُضِلُّ المسلمين، وأنَّ محمّداً بدوره كان يضلّه الشيطان. تَصَدَّرَ موقعُ "SuraLikeIt" الصفحاتِ الأولى للصّحف في مصر، حيث ندّد علماء الأزهر بالموقع واعتبروا ما يُنْشَرُ فيه "عدواناً على التراث الإنساني والقيم المقدسة ليس فقط للمسلمين، ولكنْ للبشرية جمعاء." وفي نهاية المطاف، اقتنعت شركة "أمريكا أون لاين" التي استضافت الموقع السابق على الإنترنت بضرورة حذفه، وعلى ما يبدو لم تكن هذه الشركة مدركةً بأنَّ النّاس يقلّدون القرآن بغرض الاستهزاء به منذ قرون، فبرّرت موقفها قائلةً: "إنَّ شروط الخدمة لدينا واضحة جداً بخصوص ما نسميه المحتوى غيرُ المناسب، كالمحتوى الذي فيه افتراءٌ أو تشويهٌ للسمعة،" وهذا ما دفعها إلى حذف الموقع المذكور بسبب استهدافه للإسلام على وجه الخصوص، غير أن موقع "SuraLikeIt" لم يتوقف بل وجد شركات أخرى تستضيفه على شبكة الإنترنت وزاد عدد الآياتِ المقلِّدة من 4 إلى 12. 7

ولكي يتمَّ قبولُ القرآنِ على أنّهُ كلامُ الله المباشر لا بد من إثبات أَنَّ آياته لم يطرأ عليها أيُّ تغييرٍ منذ نزولها على النبي محمد حتى يومنا هذا. يتألف القرآن من 114 سورة نزلت على أجزاء طوال 23 عاماً وكان النبي محمد يتلوها على أتباعه ويحثهم على حفظها، وقد كُتبَتْ سورُ القرآن بعد وفاة النبيّ محمد سنة 622م على ما توافر من موادّ كالجلود والعظام وسعف النخل، وعندما توفي النبي سنة 622م لم يكن قد جَمَعَ هذه السورَ في كتابٍ واحد، وفي معركة اليمامة التي وقعت سنة 633م قُتل الكثير من صَحابته ممّا أثار المخاوف من ضياع أجزاء من القرآن مالم تُتَّخذْ خطواتٌ لحفظه:

"طلبَ أبو بكر الصديق، الخليفةُ الأول، مِنَ الصحابي زيد بن ثابت أَحَدُ كاتبي الوحي الذي نَزَل على النبي محمد أن يترأس لجنة تجمع سور القرآن في صحف من الورق.

وللحفاظِ على عمليةِ جمْعِ القرآن خاليةً من الأخطاء، لمْ تقبلِ اللجنةُ إلا النصوص التي كُتبت في حضور النبيّ محمد نفسه وشهادة اثنين من الرجال الثّقات ممَّنْ سمعوا النبي يتلو ما يرادُ كتابته.

بعد أنْ تمَّ الانتهاءُ منْ عملية الجمع وحصولها على موافقة الصحابة بالإجماع، حُفظَتْ هذه الصحفُ عند أبي بكرٍ الصديق، ومِنْ ثُمَّ الخليفةِ عُمر من بعده والذي أعطاها بدوره لابنته حفصة أرملة النبي محمد." 8

ومع انتشار الإسلام فيما بعد عُثِرَ على اختلافاتٍ بين النصوص، قيل إنها جاءت تَبَعَاً لاختلاف اللهجات المحليّة، وللحفاظ على القرآن من الاختلاف، أمرَ الخليفة عثمان الذي تولى الخلافة بين سَنتي 644-654م باعتماد مُصحَفِ أبي بكرٍ وحرقِ باقي الُّنسَخ.

إنَّ هذه الجهود الرامية لمنع النّصِّ الأصليِّ للقرآن منَ الضياعِ أو التحريف شكلتْ جزءاً هاماً كدليل على صحته وموثوقيته، ولكن البعض يرى في هذه الجهود دليلاً على أنَّ القرآن ليس كلاماً منزلاً، وإلا لاختار الله المتَّصفُ بالكمال طريقةً موثوقةً أكثر لإنزال القرآن على النبي. وفي ذلك يقول الكاتب المصري الملحد محمد رمضان: "إنّ مَمَّا يدعو للسُخرية أنْ تحاول إقناعي بأنّ هذه كانت الطريقة الوحيدة التي بواسطتها نقل الله بها علمه ومعرفته الأهم للبشرية، ومن السخرية أيضاً أنه اختار اللغة العربية دون غيرها."

وفي السنوات الأخيرة ازداد اعتمادُ المناظرين الإسلاميّين على "الإعجاز العلمي" للقرآن لإثبات مصدره الإلهي، وقد طغت هذه المزاعم على الحُجَجِ التقليديّة التي دَأَبَ المدافعون عن القرآن على استخدامها، والفكرة الأساسيّة هنا أنَّ سور القرآن تحوي معلومات علمية لم تكن معروفة في زمن النبيّ محمد ممّا يدلُّ على أنّه كلامُ الله، ويقول معهد التربية والمعلومات الإسلامية في ذلك:

"في القرآن معلوماتٌ عن العصور الغابرةِ لم تكن معروفة من قبل المعاصرين للنبي محمد، ولا حتى المؤرخين الذين عاشوا في النّصف الأول من القرن العشرين، وهنالك عشراتُ الآيات التي فيها إشاراتٌ إلى إعجازاتٌ علمية، بعضها لم يُكتشَفْ أو يُثبَتْ إلا مؤخراً، وذلك في مجالاتٍ عدةٍ كالكون والأحياء وعلم الأجنة وعلم الفلك والفيزياء والجغرافيا والأرصاد الجوية والطب والتاريخ وعلم المحيطات ... الخ 9

أصبح "الإعجاز العلمي" منذ الثمانينيات أداةً رئيسيةً للدّعوة الإسلاميّة، ويبدو أنّه لاقى نجاحاً كبيراً وأعطى للمسلمين شعوراً متجدداً بالفخر بدينهم، بينما يرى آخرون أنَّ هذا قد ساهم كثيراً في التشكيك بالدّين الإسلامي.

يرجع أصلُ "العِلْمِ القرآنيّ" إلى الطبيب الفرنسي "موريس بوكايل"Maurice Bucaille الذي شَغَلَ منصبَ طبيب العائلة لدى الملك فيصل، ملكِ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ في أوائل السبعينيات. ألَّفَ "بوكايل" كتابَ "الإنجيلُ والقرآنُ والعلمُ" وتم نشره سنة 1976م، ويقول فيه إنَّ الإنجيل احتوى على الكثير من الأخطاء العلميّة على خلاف القرآن الذي كان متبصِّراً، ففي آياته ما يشير إلى الانفجار الكبير والثقوبِ السوداء والسَّفرِ في الفضاء. توفي "بوكايل" سنة 1988 لكن اسمه ما زال حياً، فالبحث في القرآن عن المعرفة المسبقة للاكتشافات العلمية أصبح يُعرف بـِ "البوكايلية."

يعلق الفيزيائي الباكستاني "برويز هودبوي "Pervez Hoodbhoy قائلاً:

"إن طريقة "بوكايل" بسيطةٌ، فهو يطلب من قرائه التأملَ في بعض الآيات القرآنية، ثم ينتقي، من بين مَعَانٍ متنوعة لآية ما، معنىً يطابق أو ينسجم مع حقيقة علمية ما... ولفعل ذلك قام بجمع عددٍ كبير من الآيات القرآنية التي فيها إشاراتٌ إلى النحل والعناكب والطيور والنباتات والخضروات من مختلف الأنواع وحليب الحيوانات والأجنة والتناسل البشري." 10

من نقاط الضّعف الواضحةِ في هذا النَّهج أنّه يعمل بشكلٍ معكوسٍ، "فالمعرفة" العلمية في القرآن لا تصبح واضحةً جليّةً إلا بعد أنْ يثبتها العِلم. ويضيف "هودبوي": "لا يوجد في كتاب "بوكايل" تنبؤٌ واحد بأيّ حقيقةٍ فيزيائيةٍ غيرِ معروفة الآن (أي أن كل ما في القرآن من حقائق علمية هي معروفة مسبقاً)، وما في القرآن من نبوءات يمكن اختبارها بالملاحظة والتجربة في المستقبل." 11

أحدُ كبار المتأثرين "ببوكايل" في الثمانينيات هو الشيخُ اليمنيُّ عبد المجيد الزندانى الذي درَّس في جامعة الملك عبد العزيز في المملكة العربية السعودية، وراح يسعى للقاء علماءَ غربيّين ممّن كانوا يزورون المملكة بهدف حملهم على قول أشياءَ إيجابيةٍ حول "المعرفة" العلميّة في القرآن الكريم. وقد وُصِفَتْ تقنيّة الزنداني في مقالٍ نشرته صحيفةُ "وول ستريت جورنال" للكاتب "دانيال جولدن "Daniel Golden:

"انطلقت مسيرةُ الزنداني عندما قدَّم أحدُ مساعديه، وهو مصطفى عبد الباسط أحمد، علَقَةً إلى البورفيسور “كيث مورKeith Moore " من جامعة "تورنتو" والذي ألفت كتباً راجت كثيراً في مجال علم الأجنة."

أراد مصطفى أنْ يبِّينَ له أنَّ الآية التي تصف خَلْقَ الإنسان من علقةٍ تُقَدِّمُ تشبيهاً مطابقاً تماماً لوصف عملية الحمل المبكرة لدى الإنسان كما تبدو هذه العملية تحت المجهر. وقال السّيّد مصطفى أنّه أَذْهَلَ البروفيسورَ "مور" بالتّشابهِ بين العلقة والجنين البدائي. وبما أنّ نزول القرآن سبق اختراع المجهر، خَلُصَ البروفيسور، وهو ابنُ رجل دين بروتستانتي، إلى أنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ وقد أنزله على النبي محمد." 12

أُعجِب البروفيسور "مور" بذلك كثيراً لدرجة أنَّه كتب "الطبعة الإسلامية" من كتاب علم الأجنَّة بعنوان "الإنسان المتطور" سنة 1983م، والتي وصفها بأنَّها تحتوي على نفس مادة النُّسخة الأصلية إضافةً إلى "إشاراتٍ كثيرةٍ إلى تعابيرِ من القرآن والسنة حول علم الأجنة البشرية،" وكتبَ في مقدمة الكتاب:

"على مدى السنوات الثلاث الماضية عملتُ مع لجنة علم الأجنّة في جامعة الملك عبد العزيز في جدة في المملكة العربية السعودية، وساعدتهم في تفسير التعابير الكثيرة الواردة في القرآن والسنّة والتي تشير إلى التكاثر البشري ومراحل ما قبل الولادة.

في بادئ الأمر ذُهلتُ من دقَّة البيانات التي تمَّ تسجيلها في القرن السابع قبل تأسيس علم الأجنّة. رغم أنّي كنتُ على بينةٍ من التاريخ المجيد للعلماء المسلمين في القرن العاشر، وبعضٍ من مساهماتهم في الطب، إلا أنِّني لم أكنْ أعرف شيئا عن الحقائق والمعتقدات الدينية الواردة في القرآن والسنة.

من المهمِّ للطلاب المسلمين وغيرِهم أنْ يفهموا معنى هذه التعابير والبيانات القرآنية حول التطور البشري بناءً على المعرفة العلمية الحاليّة." 13

غادر الشّيخ الزنداني جامعة الملك عبد العزيز، ولكنَّه في سنة 1984م حَصَلَ على تمويلٍ من حكومة المملكة لإنشاء "لجنة للإعجاز العلميّ في القرآن والسنة." أمّا مصطفى عبد الباسط أحمد، وهو الرجل الذي قدَّم العلَقَةَ إلى البروفسور "مور"، فيقول "جولدن" أنَّ اللجنة المذكورة وظَّفته براتبٍ قدْرُه 3000 دولار شهرياً لكي يطوف أمريكا الشمالية ويُكوِّن صداقاتٍ مع علماء فيها، ويضيف "جولدن:"

"تمَّ توجيهُ الدّعوات للعلماء من قِبَلِ اللجنة لحضور مؤتمراتها، وقدّم لهم ولزوجاتهم تذاكر طائرةٍ من الدرجة الأولى، كما تمَّ حجز أفضل الفنادق لهم، وقدم لكل واحد منهم مبلغ 1000 دولار أمريكي كمكافئات شرفيّة، وأقيمتْ لهُمُ الولائم مع الزعماء المسلمين من قَبيل عشاءٍ في قصرٍ في إسلام أباد مع الرئيس الباكستاني محمد ضياء الحق...

عُرضتْ على العلماء، خلال رحلاتهم، آياتٌ منَ القرآن ليأخذوها بعين الاعتبار في ضوء خبرتهم، ثم قام الزنداني بإجراء مقابلاتٍ معهم حول هذه الآيات أمام كاميرا الفيديو، ودَفَعهم للإقرار بعلامات الإلهام الإلهي. وتحدث "جولدن" مع كثيرين ممن شعروا أنهم تعرّضوا للخداع أو تم التّلاعب بهم. فقد قال أحد هؤلاء:

"تمَّ تكليفُ عالِمِ البحار "وليام هاي "William Hay، الذي كان يُدرّس حينها في جامعة "كولورادو"، بدراسة آيةٍ مِنَ القرآن تُشَبِّهُ أذهانَ غيرِ المؤمنين "بالظلماتِ في أعماق البحار...تعلوها أمواجٌ، من فوقها أمواج أخرى." وقد حثّ السيد الزنداني البروفيسور "هاي" على أنْ يقرّ بأنّه من غير الممكن أن النبي محمد عرف شيئاً عن التيارات الداخلية الناجمة عن تفاوتٍ في الكثافات في أعماق المحيط، وعندما افترض البروفيسور "هاي" أنَّ محمّد ربما تعلم هذه الظاهرة من البحّارة، أصرَّ الزنداني أنَّ النبيَّ لم يزر ميناءً بحرياً قطّ.

يقول البروفيسور "هاي"، وهو عالم منهجيّ، أنَّه اقترح فرضياتٍ أخرى للسيد الزنداني لكنّه رفضها، لينتهيَ المطاف بالبروفيسور "هاي" أنِ اعترف أنَّ الإشارة إلى الأمواج الداخلية "لابد أنْ تكونَ وحياً إلهياً،" وهو اعتراف تتباهى به المواقع الإسلامية.

ويضيف البروفيسور "هاي" الذي يُدّرس الآن في معهد بحرية ألمانيّ: "لقد وقعتُ في الفخِّ ثم حذَّرتُ الآخرين من ذلك."

والآنَ وبعد مضي عدة سنوات، ما زالت مواقع الإنترنت تتناقل الكثير من تعليقات العلماء الذين تواصل معهم الزنداني 14 الذي كانت تربطه علاقاتٌ طويلةٌ الأمدِ معَ أسامةَ بنِ لادن، وفي نهاية المطاف عاد الزنداني إلى اليمن ليصبحَ شخصيةً بارزةً في حزب الإصلاح الإسلامي المحافظِ وأسَّس جامعةَ "الإيمان"، وهي مؤسَّسةٌ دينيةٌ يمنيةٌ يَدْرس فيها نحو 6000 طالب وطالبة، وزعم أنَّه وضع علاجاً بالأعشاب لفيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز). وفي سنة 2004 أدرجَتْهُ الولاياتُ المتحدة على لائحة الإرهاب وكان السَبَبُ الرَّئيسُ وراء ذلك علاقتُه بتنظيم القاعدةِ وبأسامة بْنِ لادن. 15

إنَّ البحثَ الحثيثَ عن المعرفةِ العلميةِ المسبقةِ في القرآن هي أمرٌ يمكن لأي شخص أنْ يُسهمَ فيه، وهو أمرٌ لا يتطلَّب أيّةَ خبرةٍ لاهوتيةٍ، كما أنَّ النسخَ والإصداراتِ الرقميّةَ مِنَ النَّصِّ القرآني جعلتْ البحثَ أسهلَ ممّا كان عليه من قبل. وهناك أيضاً فرصةٌ كبيرةٌ للعثور على شيء ما في آيات القرآن التي تزيد عن 6000 وتفسيرِها على أنَّها اكتشافٌ علميٌّ حديثٌ باستثمارِ الخيال، والإنترنت مليءٌ بالأمثلة التي يدّعي الناسُ أنهم عثروا عليها.

غالباً ما تؤتي عملياتُ البحث أُكُلَها بسبب الغموضِ في لغةِ القرآن، وقد تطوّرتْ مفردات اللغة العربية في القرن السابع الميلاديّ بحيث تتناسب مع احتياجات ذلك الزمان، ولكنْ في ظلِّ غيابِ المصطلحاتِ العلميّةِ الدقيقةِ، كان من اللازم استخدامُ التعابير الرمزيةِ أو التقريبيةِ في كثيرٍ من الأحيان. فالكواكب، على سبيل المثال، وُصِفَتْ في القرآن بأنها "تسبَحُ" في الفضاء (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ. سورة الأنبياء: الآية 33)، فهذا الوصف غيرُ الدّقيقِ والغامضُ يخلقُ التباساً يدفع الناس لقراءة أشياءَ في النّصّ قد تكون مقصودة وقد لا تكون كذلك، كما يَسمحُ هذا الغموضُ للمشككين بالقول إنه لو أرادَ اللهُ إيصالَ المعلومةِ العلمية من خلال القرآن لكان أفصحَ عنها بوضوحٍ أكبر.

كما ظهرت مزاعمُ بالمعرفة المسبقة في الأديان الأخرى، فعلى سبيل المثال، تقول آيةٌ من الكتاب المقدس لدى الهندوسِ: "ما لا وجود له لا يمكن أنْ يأتي إلى حيَز الوجود، وما هو موجودٌ أصلاً لا يمكن أنُ يفنى،" 16 وقد فُسِّرَتْ على أنَّها إشارةٌ إلى قانون حفظ المادة والطاقة في الفيزياء. ولكنَّ هذا الأمر قد يكون محفوفاً بالمخاطر، حيث يقول "هودبوي "Hoodbhoy: "إنَّ العلمَ وقحٌ جداً بتخلّيهِ عن النظريات القديمة وفي تبنيه لأخرى جديدةٍ." وقد دَأبَ الهندوس على الزعم أنَّ كتابهم المقدس مليءٌ بالأدلة التي تؤيد نظرية "الحالة المستقرة" ** في علم الكونيات، إلى أنْ تخلى العلماءُ عن هذه النظرية لصالح نظرية الانفجار الكبير. وغنيٌّ عن القول أَّن الهندوس سرعان ما وجدوا نصوصاً دينيةً أخرى في كتابهم "تتفق تماماً مع النظرية الجديدة، إلا أنَّهم ادَّعَوا بفخرٍ انتصارَ الحكمة القديمة." 17

وتُوضِحُ كثيرٌ مِنَ الأمثلة كيف تعمل تقنية "ابحث وستجد" في القرآن؛ فهناك مقالة على موقع "الإسلام الصحيح" على شبكة الإنترنت تتحدث عن طبقة الأوزون وتبدأ بالكلام عن أهمية هذه الطبقة في حماية الإنسان من الأشعة الضارة. وتقول المقالة إنَّ "طبقة الأوزون اكتُشِفَتْ بعد عدة قرونٍ من نزول القرآن، غيرَ أنَّ القرآن يَذكرُ هذه الطبقة التي تحمينا من أشعة الشمس الضارة." تقول أحد الآيات البالغة الأهمية:

"حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا" (سورة الكهف: الآية 90)

وبالنسبة لمن لا يرى أنَّ هذه الآيةَ تشير إلى ثُقْبٍ في طبقة الأوزون، يوضِح الكاتب:

خمسةُ استنتاجاتٍ تُسْتَنْبَطُ من هذه الآية:

1. كلمة "سترا" تعني أنَّ هنالك شيئاً ضاراً يأتي من الشَّمس، لأنَّه إنْ لم يكن هناك ضررٌ تسبِّبه الشمس فلا حاجة للستر إذاً.

2. فُسِّرَتْ كلمة "سترا" في التفسيرات الأقدم للقرآن بمعنى الجبال أو التّلال، ولكنِّ الجبال والتلال لا تحمي من الأشعة فوق البنفسجية التي تطلقها الشمس، إلا إذا كنّا نعيش داخلَ أحد هذه الجبال أو التلال.

3. صياغة الآية تشير إلى أنَّ الشعب الذي ذُكر القرآن ويعيشون بدون ستر هم في الحقيقة استثناءٌ، على خلاف باقي البشر الذين يعيشون في ستر منها.

4. عبارةُ "لم نجعل لهم من دونها سترا" تشير إلى أن الستر طبيعي (أي من صنع الله) وليس من صنع البشر. وهذا يلغي تلقائياً تفسيره على أنَّ الستر هنا هو المنازلُ أو الملاجئُ التي هي من صنع الإنسان.

5. تشير الآية إلى وجود شعب ومناطق غيرِ محمية، وهذا يتماشى مع المعرفة الحالية بشأن وجود ثقوب في طبقة الأوزون. ويسود اعتقاد أنَّ هذه الثقوب كانت موجودةً دائماً، لكنَّ الأمر أصبح مقلقاً مؤخراً بسبب توسع هذه الثقوب نتيجةَ تلويث الإنسان للأرض. فيتبين ممّا سبقَ أنَّ ثقب الأوزون هو الظاهرةُ الوحيدةُ التي تستوفي هذه الاستنتاجات الخمس. 18

والملاحظة الأكثر أهمية حول الآية المذكورة هي أنَّها تفترض وجود بقعة فعلية في مكان ما على الأرض تشرق منها الشمس لكن لم يكتشفها العلماء حتى الآن، وهنالك آياتٌ سابقةٌ للآية آنفةِ الذكرِ تتحدث عن مكان غروب الشمس "في عينٍ حَمِئَةٍ" (موحلةٍ أو قاتمةٍ، سورة الكهف: الآية 86) وقربَ هذا المكان يعيش بشر.

في هذه الأثناء، كَتبَ موقع دليل الإسلام موضوعاً عن علم الجيولوجيا في القرآن، ورد فيه:

"هنالك كتاب بعنوان "الأرض" يُعْتَبَرُ مرجعاً أساسياً ويُدَرَّسَ في الكثير من الجامعات في مختلف أنحاء العالم. أحد مؤلفي الكتاب هو البروفيسور إيميريتوس فرانك برس الذي كان المستشارَ العلميَّ للرئيس الأمريكي الأسبق "جيمي كارتر" وَشَغَلَ منصب رئيس الأكاديمية الوطنية للعلوم في العاصمة الأمريكيّة واشنطن على مدى 12 عاماً، يقول في كتابه أن للجبال جذوراً راسخةً عميقةً في الأرض، وبالتالي، فإن للجبال شكلاً يشبه الوتد." 19

إنَّ الانتقالَ السريعَ هنا من كلمة "جذر" إلى "وتد" يفسر الآية التالية:

أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (سورة النبأ: 6-7)

ويضيف موقع "دليل الإسلام": "إن تاريخ العلم يخبرنا بأنَّ النظرية القائلة بأنَّ للجبال جذوراً عميقةً لم تُطرح إلا في النّصف الثاني من القرن التاسع عشر." إذاً، هل هذا مثالٌ على أنَّ القرآن كشف عن معلومات لم تكن معروفة في حياة النبيِّ "محمدٍ أمْ أنَّها حالةٌ من حالات التمني؟ إنَّ لبعض الجبال جذوراً، وبعض تلك الجذور لها شكل وتد بالفعل، لكنْ ما مِنْ سبب مقنع يجعلنا نفترض بأنَّ هذا هو ما تُلمِّحُ إليه الآية.

نعرف اليومَ أيضاً أنَّ ثروات الأرضِ الوفيرةَ من الحديد مصدرُها الفضاءُ، وتكوَّنتْ بفعلِ انصهارٍ في نجومٍ ذاتِ درجاتِ حرارةٍ هائلة، وتزعم العديد من المواقع الإسلامية على شبكة الإنترنت أنَّها وجدت هذه المعلومة في القرآن، من خلال الاستشهاد بجزء من آية تقول: "وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ" (سورة الحديد: 25). وورد في مقالة نشرت على موقع "دين الإسلام" ما يلي:

"وهذا يدلُّ على أنَّ الحديدَ لم يتشَّكل في الأرض بل حملته نجومٌ هائلةٌ متفجرةٌ، وأُنزِل إلى الأرض، تماماً كما جاء في الآية، وممّا لا خلافَ فيهِ أنَّ هذه الحقيقة لم تكنْ معروفةً في القرن السابع الميلادي عندما أُنْزِلَ القرآن. ومع ذلك فإنَّ هذه الحقيقة موجودةٌ في القرآن الذي هو "كلام الله" الذي يحيط عِلْمُهُ بكلِّ شيءٍ، وما يُذهلُ هنا هو ذكرُ الآية للحديد بذاته، خصوصاً أنَّ هذه الاكتشافاتِ قد تمَّتْ في أواخر القرن العشرين." 20

غير أنَّ هذا ليس التفسيرَ الوحيدَ الممكنَ للآية القرآنية، فمِنَ الممكن أنْ تعني أيضا أنَّ الله "كشَفَ" عن الحديد وفوائده الكثيرة للبشرية، 21 أو أنَّه ببساطة "قدّمه" للبشرية. لكنَّ الموقعَ لا يعترفُ بهذه الاحتمالات ويرفضها، معللاً ذلك بقوله إنَّ الفعل "أنزلنا" ورد في القرآن بمعناه الحرفيِّ وهو "الإرسال للأسفل،" وهذا غير صحيحٍ لأنَّ هنالك آياتٍ أخرى في القرآن تقول إن الله "أنزل" الملبس والمأكل وثمانية أنواع من الماشية، ولم يقلْ أحدٌ أنَّ أيَّاً من هذه نشأت مِنِ انصهار النجوم الهائلة المتفجرة. 22

ولا حاجةَ للقول أنَّه عندما تظهر على شبكة الأنترنت مقالاتٌ من هذا القبيلِ، تأتي مقالات أخرى لتفنِّدها، كما أنَّ هنالك مواقع معادية للإسلام تسلّط الضوء على ما يزعُمون أنَّها أخطاءٌ علميةٌ في القرآن الكريم. ويشير آخرون إلى أنَّ القرآن ليس وحده من يمتلك هذه البصيرة، حيث يقول أحمد سعيد، وهو مُلحد يمني: "كلما خُضْتُ في نقاشاتٍ حول القرآن يقول الناس: كيف يمكن لشخص أميٍّ أنْ يعرفَ كل هذه الاكتشافات العلمية والمعجزات قبل 1400 سنة؟ فيكون جوابي أن "ستار تريك "Star Trek، وهو سلسلة أفلامِ خيالٍ علميٍّ، تَوقّع أيضاً كيف سيبدو المستقبل، فلماذا لا تؤمنون بستار تريك بدلاً من ذلك؟"

أما "حمزة أندرياس تزورتزيس "Hamza Andreas Tzortzis الذي اعتنق الإسلام وشارك في مناقشات علنية مع عدد من الملحدين البارزين، فيصف "الإعجاز العلمي" باعتباره مصدرَ حَرَجٍ فكريٍّ، وأنَّه يجذبُ الكثيرين إلى الإسلام كما ويدفع بالآخرين بعيداً عنه،" ويقول في ذلك:

"طُبِعَتِ الملايينُ من الكتيبات والنشرات التي تزعم وجود الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، وأسلَمَ بسببها عددٌ لا يحصى من الناس... كما أنّ منظرين مشهورين مثل الدكتور "ذاكر نايك"Zakir Naik و"يوسف إستيس"Yusuf Estes اعتمدوا على رواية الإعجاز العلمي لإثبات المنشأ الإلهي للقرآن.

ونتيجة لهذه المحاولات الحثيثة لتعميم هذه الرواية على مدى العقود القليلة الماضية، تَوَلّدتِ اليومَ حركةٌ متصاعدةٌ مضادةٌ، تحاول إزالة الغموض عمَّا يسمى التعبيرات العلمية، ويبدو أن شعبيتها في تزايدٍ ملحوظٍ. وهنالك عددٌ كبير من المرتدِّين عن الإسلام ممن أجريتُ حواراتٍ خاصةً مع الكثير منهم يستشهد بعمل هذه الحركة المضادة على أنَّه السبب وراء اتخاذهمُ القرار بالتخلي عن الدين." 23

وعلى عكس الديانة المسيحية التي لها تاريخ حافل بالصراعات مع العِلم، لا يرى المسلمون عموماً في الاكتشافات العلمية تهديداً لمعتقدهم، فالحادثة الشهيرة التي وقعت سنة 1633 عندما أَجْبَرَتِ الكنيسةُ الكاثوليكية العالِمَ الإيطالي "جاليليو جاليلي"Galileo Galilei على التراجعِ عن اعتقاده "المهرطق" بأنَّ الأرضَ تدور حول الشمس، هي لا نظيرَ لها في العالم الإسلامي. بلْ إنَّ تلهف المسلمين للعلمِ والاكتشافِ كان على الأقل مرتبطاً بدينهم، وكانوا مهتمين بعلم الفلك على وجه الخصوص، نظراً لاستخدامهمُ التقويمَ القمريَّ، بالإضافة إلى حاجتهم إلى تحديد الجهة التي تقع بها مكة المكرمة التي يُصَلُّون إليها.

تَقَبَّلَ الفلكيون المسلمون فكرةَ كرويةِ الأرضِ بسهولةٍ، بسبب تأثُّرهم بأفكار "بطليموس" و"أرسطو"، وفي سنة 830م قام العلماء المسلمون في زمن الخليفةِ المأمون بقياس المسافة بين مدينتين فيما أصبح اليوم سوريا، وكان من المعروف حينها أنّ درجةً واحدةً على خط العرض تفصل بينهما. وعلى هذا الأساس قاموا بحساب محيط الأرض ب 24،000 ميل وكانت النتيجة دقيقة للغاية 24. وفي وقت لاحق، ابتكر أبو الريحان البيروني، (973-1048م)، طريقةً جديدةً لحساب نصف قطر الأرض باستخدام علم المثلثات، وكان الرقم الذي استنتجه يزيدُ بعشرة أميال فقط عنِ الرقم الحقيقي25. كما رأى البيروني أنَّ الأرض تدور حول محورها، بالرغم من عدم امتلاكه الدليل. وناقش الفلكيون المسلمون في القرن الثالث عشر في مرصد "المراغة "Maragha فيما يعرف اليوم بإيران فكرةَ دوران الأرض حول الشّمس، ولكنَّهم تخلَّوا عنْ هذه الفكرة في النهاية، وقد كانت بعض حججهم شبيهةً بتلك التي وضعها "كوبرنيكوس"Copernicus في وقت لاحق، بالرغم من أنّها لم تسببْ مشاكلَ لاهوتيةً كما يبدو.

كان نشر "تشارلز داروين" لكتابَه "أصلُ الأنواع" سنة 1859م ردود فعلِ متنوعةٌ من قبل المسلمين، بعضها يمكن التنبؤ به، وبعضها لا، ففي أحدِ الانتقادات لهذه النظرية استشهَدَ جمال الدين الأفغاني سنة 1881م باستمرارِ وجودِ قلفة العضو التناسلي الذكري كدليل على أنَّ أفكارَ داروين في الاصطفاءِ الطبيعي كانت خاطئةً. فقال: "هل صُمَّتْ أذنا هذا البائس داروين عن حقيقة أنَّ العرب واليهود قد خَتنوا أولادَهم لآلافٍ مضتْ من السنين، وبالرغم من هذا لم يُولد لهم ولد مختون حتى الآن؟ 26 لكنَّ حسين الجسر، وهو رجلُ دينٍ شيعيٌّ لبنانيٌّ، عاش في القرن التاسعَ عشرَ، رأى في مقابل ذلك أنَّه يمكنُ الجمع بين نظرية التطور والنصوص القرآنية، فيقول: "لا يوجد أيُّ دليلٍ في القرآن يشيرُ إلى أنَّ جميع الأنواع، الموجودة أصلاً بفضلِ الله، قد خلقت كلها دفعة واحدة أو تدريجياً." 27

وما يثير الاهتمام هو إحدى أوائلِ النقاشات حول الداروينية في بلدٍ عربيٍّ شارَكَ فيها مسيحيون أمريكيون فيما يعرف اليومَ "بالجامعة الأمريكية" في بيروت سنة 1882م، ففي كلمة ألقاها في حفل التخرج أشار "ادوين لويس "Edwin Lewis، وهو أستاذُ كيمياءٍ معروفٌ، إلى أربعة "علماء مثاليين" كان "داروين" أحدَهم. فوصفَ "لويس" عَمَلَ "داروين" بأنَّه "مثال على تحويل المعرفة إلى علم عن طريق الفحص الطويل المتأنِّي والتفكُّر العميق،" لكن مجلس أمناء المؤسسة، التي كانت تعرف في ذلك الوقت باسم "الكلية البروتستانتية السورية" والتي أسَّسها المبشرون الأمريكيون، رأَوْا أنَّ "لويس" قد بالغَ في الوصف ممَّا اضْطَرَّهُ للاستقالة لاحقاً. وفي خِضَمِّ الضجة التي تلت ذلك، استقال عددٌ من أعضاء الهيئة التدريسية الكبارِ، وأعلن الطلاب الإضراب دعما "للويس"، فعاقبتهُمُ الكلية بتعليق دراسةِ سبعةَ عشرَ طالباً. ولمنع تكرار هذه الحادثة، أُجْبِرَ الموظفون على التوقيع على إعلانٍ لدعم "القيم المسيحية" ولم يُلْغَ الإعلانُ حتى سنة 1902م. 28

وبملاحظة المشاكل اللاهوتية التي واجهتِ المسيحيين فيما يتعلق بنظرية التطور، وَجدَ بعض المسلمين فرصةً لتعزيز قضيتهم. فكتبت مروة الشاكري":

"إنَّ الجدلَ اللاهوتيَّ حول نظرية التطور في أوروبا ... يمكن أنْ يُستخدم لدحضِ مزاعمِ الأوروبيين بالتفوق، ومع اعتبار غير الأوروبيين أنَّ الاعتراض العلني على نظرية "داروين" دليلٌ على صعوبة تَقَبُّلِ المسيحيةِ للعلم، تَشجّعَ كثيرون على إظهار مدى سهولة تبني أفكار "داروين" ضمن التقاليد الخاصة بهم ...

وحالهم حال المبشرين، فإن المستشرقين والدبلوماسيين ادَّعَوا بأنَّ الإسلام يعيق التنمية الاجتماعية والفكرية، لكن محمد عبده، مفتي مصر رأى عكس ذلك، وهو أنَّ المسيحيةَ هي التي كانتِ العقبةَ الحقيقيةَ وليس الإسلام." 29

وبدلاً من رفض أفكار "داروين"، ذَهبَ بعض المسلمين إلى حدِّ ادِّعاء ملكيةٍ جزئيةٍ لنظريته، مستندين إلى إمكانية العثور على أجزاءَ من نظريته في الثقافة الإسلامية. تضيف مروة الشاكري:

"يرى المؤيدون والنقاد على حدٍّ سواء إلى أنَّ الفلاسفةَ المسلمين قد أشاروا منذ فترة طويلة إلى فكرة أنَّ الأنواع يمكن أنْ تتغيرَ بمرور الزمن، كما أشاروا في هذه النقاشات إلى فكرة التحول، وكانت النصوص الفلسفية والكونية الإسلامية المبكرة تُقتبس كلّما نوقشت نظرية "داروين" ...

وتم قياس نظرية "داروين" على نظرياتٍ أقدمَ عن التسلسلُ الهرميُّ للكائنات، من المواد والمعادن إلى النباتات والحيوانات، وأخيراً إلى البشرِ أنفسهم. وقد وفّر افتراض بعض مؤلفات العصور الوسطى أنَّ القردة كانت أشكالاً أدنى من البشر مزيداً من الأدلة للمسلمين في القرن التاسع عشر بأن نظرية "داروين" لم تأت بجديد."

وحتى يومنا هذا يفترضُ البعض أنَّ نظريةَ التطور هي ذاتُ أصول إسلامية، فقد نُشِرَ كتابٌ سنة 2005م بعنوان "التطور والنشأة من منظور إسلامي" زَعم الكاتبُ فيه أنَّ أفكار "داروين" حول التطور والاصطفاء الطبيعي قدِ استُمِدَّتْ جزئياً من الفلاسفة والعلماء المسلمين، كابن سينا المتوفى سنة 1037م. 30

ولحسن حظِّ المسلمين، فإن القرآن كان أكثر غموضاً من الإنجيل حول عملية الخلق، فالقرآن يقول إنَّ الله جعل "مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ" (سورة الأنبياء:30) وقال: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ" (سورة الأنعام:2) و"قَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا" (سورة نوح:14). مما يترك مجالاً لتفسير ذلك في إطار نظرية التطور.

غير أنَّ هنالك رفضاً متزايداً لنظرية "داروين" بين المسلمين اليومَ تحت ضغط رجال الدين المحافظين، وبتأثيرٍ من المسيحيين الأمريكيين المؤيدين لنظرية الخَلْق (الواردة في سِفْرِ التكوين والمعارِضةِ لنظرية التطور)، واليوم تتناول المدارس والجامعات ووسائل الإعلام العربيةُ هذا الموضوع بحذر وحيطة كبيرين خوفاً من إثارة الاعتراضات.

وهناك منظمة مقرُّها تركيا تروج دولياً للنسخة الإسلامية لنظرية الخَلْق وهي "مؤسسة البحث العلمي"(BAV) ويرأسها "عدنان أوكتار" الذي كتب عشراتِ الكتب تحت اسم هارون يحيى. رغم أنَّ محتواها إسلامي في الظاهر، إلا أنَّ منشوراتِ "مؤسسة الأبحاث العلمية" اعتمدتِ اعتماداً كبيراً على المواد المسيحية التي ينشرها معهد أبحاث الخلق في كاليفورنيا 31 (Institute for Creation Research in California) ، ويمكن الحصول على الكتب التي تنشرها المؤسسة مجاناً عن طريق الأنترنت 32 حيث يمكن للطلاب منْ أيِّ مكانٍ في العالم ترديدُ ما فيها من أفكار. 33

بعض المدارس العربية تُدَرِّسُ نظريةَ التطور بحذر وبعضها الآخر لا يُدَرِّسها مطلقاً. ويصف اليمني أحمد سعيد ما حدث أثناء دروس علم الأحياء في مدرسته:

"اعتادت مَدْرَستي اعتمادَ كتب العلوم من جامعة "أكسفورد"، وقد ألغى معلمنا منها الكثيرَ من الفصول. وكلما ألغى المعلم فصلاً كان الطلاب يقولون: "الحمد لله" لأنهم لم يرغبوا في تعلم المزيد، لكنني اعتدت على قراءة هذه الفصول الملغاة وكان أحَدَها عن نظرية التطور. لم يحمل الفصل اسم "التطور" بل سُمِّيَ "الاصطفاءُ الطبيعيُّ" وهو جزء من نظرية التطور.

وأذكر أني قرأت هذا الفصلَ [بنفسي]، واعتقدتُ حينها أنَّه كان سخيفاً، ووافقتُ المعلم على حذفه."

ويضيف سعيد أنَّ المعلم أخبرهم أنَّه قد حَذف الفصل بناءً على تعليمات من وزارة التعليم. ويقول: "لقد أدركت عملية غسيل الدماغ الذي يمارسونها على الأطفال،" أمَّا اليومَ فيتحاور سعيد مع أصدقائه على "فيسبوك" دعماً لنظرية التطور، ويقول في ذلك:

"تسعة وتسعين في المائة من أصدقائي على "فيسبوك" يقولون أشياء مثل: "أتعتقد حقاً أنَّ القرودَ أصلُنا؟ فأحاول أنْ أشرح لهم أنَّ نظرية التطور لا تزعم ذلك، بل تقول إننا نشترك مع القردة بالأسلاف، ويظهر ذلك كم كنا جهلة."

لاحظ محمد رمضان نهجاً مماثلاً عندما كان طالباً في مدرسة حكومية مصرية، فيقول:

"كانت الفصول الأخيرة من كتبنا المدرسية مكتوبة بطريقة مضحكة، وأغلب معلوماتها لا تأتي في الامتحانات، وإنْ أتتْ فغالباً ما تكون عن الطيور التي هاجرت من أماكنَ معينةٍ، وكيف أنَّها غيرت ألوانها، وهو مفهومٌ سطحيٌّ جداً لنظرية التطور. يقبلُ بعض المعلمين بأنَّ التطورَ يمكن أنْ يحدث من خلال التكيف، لكنَّهم يقولون أنَّه ولو حدث ذلك للحيوانات فلن يحدث للبشر لأنهم متميزون." 34

أما "راماست"Ramast ، وهو مصريٌّ، كان في السابق مسيحياً، فقد دَرَس نظرية التطور في المدرسة لكنه وجد أنَّها تُدَرَّسُ بطريقة لا تخلو من اللَّبْسِ، ويقول: "درسناها على أنَّها نظريةٌ تحتمل الصواب والخطأ، ولكنْ في وقتٍ لاحقٍ بدأت أتعلم بنفسي، من قناة "ديسكفري" على سبيل المثال، ومِنْ مواقعَ على الأنترنت، كموقع "كيف تعمل الأشياء" وموقع "Digg"، وغيرِها من المواقع. وقد تعلمتُ من باب الفضول، وأردتُ أنْ أفهم كيف تطورتِ الديناصوراتُ إلى طيورٍ، والقردةُ إلى بشرٍ. أعلم أنَّ الأمرَ لم يحدث بهذه الطريقةِ أبداً، ولكنْ كان عليّ أنْ أقرأ عن نظرية التطور لكي أفهمها أكثر." ويقول أنَّ الأفكار حول نظرية التطور أصبحت في نهاية المطاف "آخر محطّة" في رحلته إلى الإلحاد. ويضيف: "عندما كبرتُ كان قراري هو هل سأؤمن "بآدمَ وحواءَ" أم بالتطور؟ أما نور يوسف فتقول في منشور نشرته على مدونة ""Arabist: "لا تعجّ الجامعات المصرية بمؤيدي نظرية التطور، كما أنَّ أساتذةَ الجامعة يصورون نظرية التطور على أنها نظريةٌ باطلةٌ وخاطئةٌ، ويشوهونها قائلين: لماذا لا تزال القردة موجودة طالما أننا تطورنا عنها؟" 35

رغم أنَّ البعض يرفض نظرية التطور رفضاً قاطعاً، كموقع "عن الإسلام" على الأنترنت الذي يعتبر أنَّ هذه النظرية "لا تتفق مع وصف القرآن لعملية خَلْق الكون، ولا مع أيٍّ مِنْ تعاليم كل الأديان السماوية 36،" إلا أنَّ البعض الآخر يسعَون إلى الإمساك بالعصى من المنتصف، فقد وَجَدَتْ دراسةٌ أُجْرِيَتْ لمعرفة مواقف الطلاب المسلمين القادمين من تركيا والمغرب والذين يدرسون في هولندا، تجاه نظرية التطور، أنَّ قلةً قليلةً منهم يرفضون نظرية التطور لأنها برأيهم تتعارض مع القرآن الكريم، في حين أنَّ "الغالبية العظمى قبلتْ بعض جوانب هذه النظرية ورفضتْ بعضها الآخر. وتقول الدراسة:

"فالتطور الطفيف (وهي تغيرات صغيرة تحصل خلال فترة قصيرة نسبياً) ومفهومُ "البقاء للأصلح" ظهرت في الجانب المقبول من المعادلة، وقد عزا الطلابُ السببَ إلى أنَّه من المستحيل إنكارُ المنطقِ والدعم العملي لهذه المفاهيم، كما أنهم ربطوا التطور الطفيف بالتطور الإلهي، وهي فكرة أنَّ الله قد وجّه التعديلاتِ على مخلوقاته. وقد قبل عددٌ كبيرٌ من الطلاب بنظرية الانفجار الكبير، ويعتقدون أنَّ القرآنَ يحتوي على إشارات لكل من نظريتيِّ "الانفجار الكبير ونظرية التطور."

وفي مقابل ذلك تقول الدراسة:

"يرى كل الطلاب تقريباً ... أنَّ التطورَ الكبيرَ (أيْ تطور أنواعٍ جديدة، الخ) كان على الجانب المرفوض من نظرية التطور، فعلى خلاف التطور الطفيف، فإنَّ التطورَ الكبيرَ ارتبط بتطلعاتِ الملحدين ... كما أنّ أيّاً من الطلاب لم يقبلْ فكرةَ أنَّ البشرَ تطوروا عن القردة." 37

ووفقاً للدراسة، فإنَّ الطلاب "بالكاد قبِلوا" بفرضياتِ التطورِ الموجودة في يومنا هذا في مواضيعَ أُخرى كالطب والكيمياء والعلوم الطبية الحيوية. "كان طلابُ هذه التخصّصات على علمٍ بأنَّ كلَّ واحدٍ منهم سيخضع لامتحاناتٍ متعلقةٍ بنظرية التطور، إلا أنَّهم لم يرَوا في ذلك مشكلةً، حيث رأَوا أنَّ طرح أسئلةٍ تتعلق بأفكار "داروين" في الامتحان لا يقتضي الإيمانَ بهذه الأفكار بالضرورة."

ونظراً إلى أنَّ نظريةَ التطور لا تُدَرَّسُ بالطريقة المناسبة في المدارس، فلا يُسْتَغْرَبُ أنْ يُضلِّلَ الصحفيون العربُ العامةَ عندما يظهر هذا الموضوع في الأخبار، ففي سنة 2009م أذاعتْ قناة الجزيرة، وهي القناة الإخبارية الأكثر مشاهدة في الشرق الأوسط، خبراً مفاده أنَّ العلماءَ الأميركيين وجدوا "أدلةً جديدةً على أنَّ نظرية التطور "لداروين" كانت خاطئة" وقد كان التقرير يشير إلى اكتشاف بقايا متحجرة للإنسان القديم (Ardipithecus ramidus) الذي كان موجودا قبل 4.4 مليون سنة. رغم أنَّ هذا الاكتشاف أثار تساؤلاتٍ جديدةً حول أسلاف البشر إلا أنَّها لم تقوض نظرية التطور، لكن قناة الجزيرة أوردتْ تعليقاً للدكتور زغلول النجار، الذي وصفته بأنه عالم جيولوجيا شهير، قال فيه للقناة أنَّ هذا الاكتشاف يمثل "ضربة قوية لنظرية داروين وأظهرت أنَّ الغربيين بدأووا بالعودة إلى رشدهم بعد أنْ تعاملوا مع أصل الإنسان بطريقة مادية محضة وبعد إنكارهم للأديان 38." والنجارُ مصريُّ الجنسية وهو عضو في الأكاديمية الإسلامية للعلوم، ولديه موقع على شبكة الأنترنت يروّج فيه "للإعجاز العلمي" في القرآن. 39

وفي سنة 2014 بثت قناة "ناشيونال جيوغرافيك" العربية، ومقرها أبو ظبي برنامجاً بعنوان “Cosmos: A Spacetime Odyssey” وهو متابعة لسلسلةٍ وثائقيةٍ علميةٍ مشهورةٍ، قدمها في الأصل "كارل ساجان"Carl Sagan في ثمانينات القرن العشرين. في الحلقة الأولى من البرنامج لاحظ الملحدُ الفلسطيني وليد الحسيني بعض التغييرات الغريبة وحذفاً "لأجزاءَ معينةٍ من البرنامج لا تتوافق مع الدين الإسلاميّ، أو قد تسبب جدلاً واسعاً في العالم العربي." فجملة We humans only evolved within the last hour والتي تعني ""نحن البشر لم نتطور إلا في الساعة الأخيرة" تمَّتْ ترجمتها: "نحن البشر لم نوجد إلا في الساعة الأخيرة." وفي جملة أخرى تقول: "لأكثر من 100 مليون سنة كانت الديناصورات تسودُ الأرض، في حين أنَّ أسلافنا، الذين كانوا ثديّياتٍ صغيرةً، كانوا يركضون مذعورين بين أقدامها" تم حذف عبارة "أجدادنا" من النسخة العربية. وعن ذلك كتب الحسيني في مدونته على الأنترنت:

"إن محطة تلفزيونية يُفترض بها أنْ تمثل العِلْمَ في عيون المتحدثين باللغة العربية، وبالأخص في ظل افتقارِ وسائل الإعلام العربية للمحتوى العلمي الذي يشوبُ العلمُ الزائف معظمَه، كالإعجاز العلمي في القرآن وما شابه ذلك، لم يكن من النزاهة أنْ تُخضع المحطة للرقابة ما تَيَسَّرَ من معلوماتٍ تتكلم عن تاريخنا وتطورنا كما كشف عنها العلم الحديث." 40

الفصل الرابع


الإشعار القانوني

تمّ نشر هذا الكتاب لأول مرة باللغة الإنجليزية سنة 2014 تحت عنوان "Arabs Without God" وهو متوفر بنسختين ورقيّة والكترونية على موقع Amazon.com

ونُشرت الترجمة العربية للكتاب بموجب ترخيص Creative Commons) CC BY-NC-ND 4.0) ما يعني أنّ بالإمكان نسخها وتوزيعها في أيّ شكل، لكن لأغراض غير تجارية فقط. يمكن الاطلاع على الشروط والأحكام الكاملة هنا:

https://creativecommons.org/licenses/by-nc-nd/4.0/legalcode